فتح المغرب وموريتانيا صفحة جديدة في العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد اللقاء الأخوي الذي جمع الملك محمدا السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بالقصر الملكي بالدار البيضاء.
جاء هذا اللقاء في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات المغربية-الموريتانية تطورات إيجابية تؤطرها العديد من التحولات الإقليمية والدولية، ما يفتح آفاقا جديدة أمام إمكانية استغلال الحدود المشتركة لتعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي بين البلدين.
ويعكس الاستقبال الملكي الذي خصه الملك محمد السادس لرئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية إرادة الشعبين الشقيقين في إحداث تحول استراتيجي في العلاقة الثنائية، ينتهي بتتويج استثمارات مشتركة خاصة في منطقة الأقاليم الجنوبية، وجعلها منصة لوجستية تربط الأطلسي بإفريقيا عبر موريتانيا، وتبحث تحقيق تكامل اقتصادي إقليمي يعزز استقرار الساحل والصحراء.
آفاق التعاون
إن التوجه نحو شراكة اقتصادية مستدامة يستند إلى معطيات تاريخية وجغرافية وواقعية؛ فمن الناحية الجيو-سياسية، تسعى الرباط ونواكشوط إلى تحقيق استقرار إقليمي شامل، بعيدا عن النزاعات المزمنة التي تعيق التنمية في إفريقيا.
ومن الناحية العملية، يعد إنشاء ميناء الأطلسي شمال الداخلة مثالا حيا على حسن النوايا المغربية تجاه موريتانيا، إذ اختير الموقع لتفادي أي تأثير اقتصادي سلبي على العاصمة الاقتصادية نواذيبو، كما أن حرص المغرب على عدم استغلال منطقة الكويرة بشكل أحادي يعكس هو الآخر التزامه بتوازن المصالح مع جارته الجنوبية.
ولعل المطالب الشعبية في تبني مشاريع استثمارية ضخمة بين البلدين، مع الانفتاح على تمويل دولي ومشاركة محلية، يمكن أن تحقق حلم شعوب المنطقة ببناء مستقبل مشترك يقوم على التنمية والاحترام المتبادل.
أبعاد استراتيجية
العلاقات المغربية الموريتانية تتسم بحساسية خاصة في ظل التزام الجارة الجنوبية بالحياد الإيجابي في نزاع الصحراء المغربية، وهو الموقف الذي يثير أحيانا تساؤلات مشروعة في الأوساط المغربية حول أسبابه ومآلاته المعقدة، خاصة في ظل تجنب الرباط استعمال أي ضغوط سياسية أو اقتصادية على موريتانيا لدفعها نحو تبني موقف مغاير وأكثر وضوحا.
ورغم ذلك، فإن الرباط، والدبلوماسية المغربية خصوصا، تُدرك أهمية التعامل بلباقة وهدوء للحفاظ على استقرار العلاقة بين البلدين، وهو ما يعكس وعيا مغربيا بأهمية التكامل الاستراتيجي بين المملكة والجمهورية الإسلامية الموريتانية.
وترتبط الخيارات الاستراتيجية المغربية، مثل مشروع أنبوب الغاز “أبوجا-الرباط” ورهانات الانفتاح على منطقة الساحل والصحراء، بشكل وثيق بموريتانيا باعتبارها شريكا حيويا، وهي مشاريع كبرى تعكس تقاطع المصالح بين البلدين وتؤكد ضرورة التعبئة المشتركة لتعزيز فرص التنمية والاستقطاب الإيجابي لصالحهما.
في مقابل ذلك، تعي الرباط جيدا أن أي انحياز لموريتانيا “العضو المراقب” في ملف الصحراء المغربية سيعرضها لضغوطات إقليمية و”عقوبات جزائرية”، قد تصل حد تهديد أمنها القومي واستقرارها الداخلي، وهو ما تسعى إليه “أقلية موريتانية” في تبنيها مواقف متوجسة من نوايا المغرب، مستندة إلى تاريخ العلاقات بين البلدين، تحاول تضخيمها أحيانا بهدف توسيع الهوة بين الرباط ونواكشوط.


