الواقع 24 – هسبريس
بين رمال الصحراء وبالبوادي نساء لا نعرف عنهن شيئا، لكنهن خلقن تميزا لأنفسهن، وصنعن من كبد معاناتهن قصص نجاح، صنعن أنفسهن بأيديهن، وحققن تميزا في ما يقمن به؛ منهن فاطمة، الملقبة بدهمانة، قابلة الصحراء التي بدأت بنفسها، واكتسبت موهبة لا تعرف مصدرها حتى.
تقول دهمانة إنها تمكنت من توليد عشرات النساء بالصحراء، واكتشاف نوع جنينهن من الأشهر الأولى، بل وحتى إعداد وصفات علاجية لأولئك اللائي يتأخر إنجابهن؛ مهارة تشهد بها حتى ساكنة المنطقة.
دهمانة، التي أقامت أول تجربة لها في توليد النساء على نفسها، حينما كانت تبلغ من العمر 21 سنة، هي اليوم المرأة البالغة من العمر 57 سنة، التي لم تزر المدرسة يوما، لكنها تقود سيارة “لاندروفر” بقلب الصحراء وتولد النساء، بل وتعالج بعض أمراضهن.
قالت دهمانة في لقائها بهسبريس: “كنت ومازلت أقوم بتوليد النساء في سبيل الله، لا أريد أجرا ولا وظيفة، يداي هاتان سيأكلهما يوما ما الدود والتراب، لهذا أريد اليوم أن أعمل بهما ما أؤجر عليه”.
لمدة أكثر من ثلاثين سنة أنجبت على يدي دهمانة عشرات النساء، ومازالت تمارس هذه المهمة حتى اليوم، وأوردت في هذا الصدد: “الكثير من النساء، خاصة هنا في البادية، يرغبن في أن يضعن في المنزل ويعتبرنه سترا لهن”، وتردف: “اليوم تغيرت الأمور، هناك نساء حوامل يكن مريضات مثلا بالسكري أو الضغط أو غيره، وبالتالي أرى إذا كان بالإمكان القيام بالأمر، وإن لم يكن بإمكاني ذلك أقوم باستدعاء سيارة الإسعاف لنقل الحامل إلى المستشفى”.
وروت دهمانة تفاصيل أول تجربة لها في التوليد قائلة: “كان عمري 21 سنة حينما قمت بتوليد نفسي، كنت لا أعرف الطريقة حينها..كان أول حمل لي.. عند إحساسي بآلام المخاض لم أعرفها وظننتها ألما عاديا، إلى أن استفحل الأمر فطلبت من زوجي أن ينقلني إلى المستشفى؛ خرج للبحث عن سيارة فعاد ليجدني أحمل طفلنا بين يدي، قبل حتى أن أٌقطع الحبل السري”.
وواصلت دهمانة بلهجة حسانية وببساطة بدو الصحراء: “كانت الصدمة بادية على وجهه هو وصاحب سيارة الأجرة الذي أشاح بوجهه، أما أنا فرفضت الذهاب إلى المستشفى، وأكملت عملية قطع الحبل السري وإسقاط المشيمة لوحدي”.
من حينها دأبت دهمانة على توليد النساء، وتوليد نفسها، فكانت تجربتها خلال حملها الثاني بالمستشفى، وحتى هناك أصرت على أن تقوم بتوليد نفسها؛ وعن هذا تقول: “حينما أحسست بآلام المخاض قام الممرض باستدعاء القابلة، لكنني أخبرته بأنني لست بحاجة إلى أي أحد، وبأنني سأقوم بالأمر بنفسي”. وفعلا وضعت دهمانة طفلها بالليل وسط المستشفى، وأتمت لوحدها كل الإجراءات، من قطع للحبل السري وإسقاط المشيمة وغيرها.
وأضافت القابلة ذاتها: “حينما جاء الطبيب المسؤول قال لي: ‘برافو عليك ما عندي ما نتسالك’، بل طلب مني العمل برفقته فرفضت قائلة: ‘ما أقوم به هو لوجه الله لا أريد أجرة عليه، بل فقط جزاء من الله”.
منذ أربع سنوات اختارت دهمانة ترك حياة المدن والعودة للعيش بالبادية، تركت البيت المشيد داخل مدينة مجهزة تستقطب السياح من كل حدب وصوب، واختارت العيش وسط خيمة بأراضي الصحراء.
وعن اختيارها العيش بالبادية قالت القابلة: “أريد إعادة تجريب ما عشته في طفولتي، أن أعود للصغر وأختبر حياة البادية وأنا بهذا السن”.
وتقضي دهمانة يومها ما بين استقبال ماشيتها بعد الرعي وحلبها، وطبخ أكلها والقيام بواجبات البيت، ثم استقبال ضيوفها؛ فكل من يحل بخيمتها مرحب به، متسمة بكرم أهل الصحراء ورحابة صدر البدو، وبساطة نساء قويات.
دهمانة .. “قابلة الصحراء” تتطوع لتوليد وعلاج النساء في البادية


